الكوم الأحمر محور التنمية الزراعية والصناعية في صعيد مصر

تُعتبر محافظة أسيوط من أبرز المحافظات الزراعية في صعيد مصر، حيث تتميز بتنوع محاصيلها وجودتها العالية. وفي إطار التوجهات الحكومية نحو تعزيز التنمية المستدامة في صعيد مصر، برزت المنطقة الصناعية بالكوم الأحمر كموقع استراتيجي لتعظيم الاستفادة من الموارد الزراعية المتاحة، خاصة في مجالات تصنيع وتصدير الفاكهة والنباتات العطرية. هذه المبادرة تهدف إلى دعم الاقتصاد المحلي، توفير فرص العمل، وجذب الاستثمارات الصناعية والزراعية.
تُعد أسيوط واحدة من أهم المناطق في مصر في إنتاج المحاصيل الزراعية، خاصة الفاكهة والنباتات العطرية. على رأس هذه المحاصيل تأتي المانجو التي تُزرع في مناطق عديدة داخل أسيوط، خاصة في مركز ساحل سليم الذي يعتبر من أهم مراكز إنتاج المانجو في المحافظة. يُقدر الإنتاج السنوي للمانجو في أسيوط بحوالي 5,539 طن في ساحل سليم و695 طنًا في مركز البداري، حيث تشتهر المانجو في أسيوط بجودتها العالية التي تجعلها محط اهتمام الأسواق المحلية والدولية. أما البرتقال، فتعتبر أسيوط من أكبر المنتجين له في مصر، حيث تمثل المساحة المنزرعة به حوالي 52% من إجمالي المساحات المنزرعة على مستوى الجمهورية. يتراوح الإنتاج السنوي من البرتقال في أسيوط بين 100,000 و150,000 طن، ويُصدَّر جزء كبير من هذا الإنتاج إلى دول الخليج وبعض الأسواق الأوروبية. كذلك، يعد الرمان من المحاصيل الزراعية الهامة في أسيوط، حيث تشتهر المحافظة بإنتاجه بكميات كبيرة، إذ تبلغ المساحة المنزرعة 15,355 فدانًا، ويُقدر الإنتاج السنوي بحوالي 155,000 طن. كما تسهم أسيوط في تصدير هذا المحصول إلى العديد من الأسواق الدولية.
فيما يتعلق بالنباتات العطرية والطبية، تُعد أسيوط من أهم المناطق المنتجة لهذه النباتات، بما في ذلك الريحان والينسون والكراوية. تصل المساحة المنزرعة بالنباتات العطرية في أسيوط إلى حوالي 4,433 فدانًا، وتُعتبر من أكبر المناطق في مصر من حيث الإنتاج والتصدير. هذه النباتات تُعتبر من المنتجات عالية القيمة في الأسواق الدولية، حيث يتم تصدير ما يزيد عن 70% من الإنتاج، ما يعزز موقع أسيوط كمركز رئيسي للتصنيع الزراعي في هذا القطاع.
شهدت المنطقة الصناعية بالكوم الأحمر تطورًا كبيرًا في البنية التحتية خلال السنوات الأخيرة، ضمن خطة الدولة لتنمية صعيد مصر وتحقيق العدالة التنموية. تم تنفيذ مجموعة من المشروعات الحيوية التي شملت تطوير الطرق الإقليمية والرئيسية المؤدية إلى المنطقة، ومد شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، فضلًا عن تجهيز المرافق الصناعية الحديثة اللازمة لإنشاء وتشغيل مصانع التعبئة والتغليف والتخزين المبرد. وقد بلغت القيمة الإجمالية للتطويرات في البنية التحتية بالمنطقة نحو 1.5 مليار جنيه، ما يعكس حرص الدولة على تهيئة بيئة استثمارية جاذبة ومحفزة للمستثمرين.
ومن أبرز المشروعات التي يتم العمل عليها في المنطقة هو “مصنع الرمان”، الذي يُعد من أوائل المصانع المتخصصة في مصر في تصنيع وتعبئة الرمان، والمزمع إنشاؤه تحت إشراف هيئة تنمية الصعيد. يهدف المصنع إلى إنتاج منتجات ذات قيمة مضافة من الرمان، مثل العصائر والمربى والمجففات، بما يسهم في رفع القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية المحلية في الأسواق العالمية. من المتوقع أن يسهم هذا المصنع في استيعاب كميات كبيرة من إنتاج الرمان في أسيوط، ويعزز من فرص التصدير، ويوفر مئات من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة لأبناء المنطقة.
تسهم هذه المشروعات في خلق فرص عمل مباشرة تُقدر بنحو 5,000 فرصة في مجالات التصنيع والتعبئة والتغليف والإدارة، إلى جانب فرص غير مباشرة في قطاعات النقل، والخدمات اللوجستية، والتسويق، مما يعزز من خفض معدلات البطالة، ويشجع على الاستقرار المجتمعي في المناطق الريفية. كما من المتوقع أن تجذب المنطقة استثمارات مباشرة تقدر بما يتراوح بين 500 و700 مليون جنيه في المرحلة الأولى، واستثمارات غير مباشرة إضافية في القطاعات المرتبطة بالتصنيع الزراعي والنقل والتجارة تقدر بنحو 300 مليون جنيه.
تأتي هذه الجهود في إطار رؤية الدولة المصرية لتعزيز الاقتصاد المحلي عبر التصنيع الزراعي، ورفع القيمة المضافة للمنتجات، وتطوير المهارات الفنية، وربط المزارعين والمُصنّعين بالأسواق المحلية والعالمية. وهو ما يترجم فعليًا مبادئ التنمية المستدامة التي تستهدف تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة والعدالة في توزيع فرص التنمية.
إن مشروع الكوم الأحمر لا يمثل فقط مبادرة اقتصادية، بل هو نموذج فعّال لما يمكن أن تحققه الدولة حينما تُوجّه إمكانياتها لدعم مناطق غنية بالموارد ولكنها ظلت لعقود على هامش التنمية. من خلال ربط الإنتاج الزراعي بالصناعة، وتوفير بنية تحتية متكاملة، وفتح أبواب التصدير، يمكن القول إن الكوم الأحمر تمضي بخطى ثابتة لتصبح محورًا تنمويًا بارزًا، ليس فقط في أسيوط، بل في صعيد مصر كله.